قد يكون الهيدروجين الحل لتحقيق الاستدامة في التنقل في منطقة الشرق الأوسط
بات من الواضح تماماً في السنوات الأخيرة دعوة العديد من الدول والجمعيات الدولية للمطالبة بوضع معايير وخطط استراتيجية للحد من التغير المناخي الذي يُعَد واحداً من أكبر التحديات التي تواجه مستقبل الكرة الأرضية. فمع استمرار الحكومات في الإعلان عن تعهدات طموحة لخفض البصمة الكربونية، أصبح هناك حاجة ملحة إلى تبني مصادر بديلة للطاقة أكثر استدامة كأولوية قصوى ليس للمنشآت فحسب، بل لجميع القطاعات الحيوية المتنوعة في جميع أنحاء العالم. وهذا يشمل قطاع صناعة المركبات، والتي تركزت جهودها مؤخراً على تبني وصناعة المركبات الكهربائية.
منذ فترة طويلة، أدركت شركة تويوتا الإمكانات الهائلة للمركبات الكهربائية، إذ تمكنت من تحقيق مبيعات عالمية تراكمية لأكثر من 17 مليون مركبة كهربائية[1] منذ العام 1997، مما أسهم في تقليل انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون بنسبة 20%. هذا، وقامت الشركة في شهر ديسمبر الماضي بالكشف عن استراتيجيتها الخاصة بالمركبات الكهربائية التي تعتمد على البطاريات BEV، كجزءٍ من استراتيجيتها لتحقيق الحياد الكربوني، وذلك خلال حدث خاص أقيم في طوكيو، حيث كشف آكيو تويودا رئيس شركة تويوتا موتور كوربوريشن، عن الخطط الطموحة لتطوير مجموعة شاملة من 30 طرازاً من المركبات الكهربائية BEV للاستخدامات الفردية والتجارية على مستوى العالم بحلول العام 2030. ومن المقرر أن تُبنى هذه الطرازات الجديدة على أسس نجاح مجموعة مركبات تويوتا المزودة بأنظمة دفع تعتمد على الكهرباء، والتي تشمل المركبات الكهربائية الـ “هايبرِد” HEV، والمركبات الكهربائية الـ “هايبرِد” المزودة بتقنية الشحن الخارجي PHEV، والمركبات الكهربائية التي تعتمد على خلايا وقود الهيدروجين FCEV. بالإضافة إلى ذلك، تسعى شركة تويوتا إلى زيادة حجم الاستثمارات الجديدة المتعلقة بالبطاريات الكهربائية إلى 2 تريليون ين وتحقيق مبيعات عالمية سنوية تصل إلى 3.5 مليون مركبة كهربائية تعتمد على البطاريات BEV بحلول العام 2030.
يُعَد الوصول إلى الحياد الكربوني هدفاً رئيسياً بالنسبة لنا، وهناك العديد من المسارات والطرق لتحقيقه. فبحسب كي فوجيتا الممثل الرئيس للمكتب التمثيلي لشركة تويوتا في منطقة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى: “لمواجهة تحديات التغير المناخي، يتعين علينا المضي قدماً لتقليل انبعاثات ثاني أكسيد الكربون قدر الإمكان وفي أسرع وقت ممكن. فالمركبات الصديقة للبيئة لا يمكنها أن تسهم في تحقيق المستهدفات البيئية، إلا إذا استُخدِمت على نطاق واسع. ولهذا السبب، ركزنا على تطوير وتعزيز حلول تنقّل متنوعة تتناسب مع مختلف البيئات”.
وإحدى التقنيات الواعدة التي ابتكرتها شركة تويوتا هي استخدام الهيدروجين كحامل للطاقة في المركبات الكهربائية التي تعتمد على خلايا وقود الهيدروجين، باعتباره العنصر الأكثر وفرة في الكون. فهو يتواجد حولنا في كل مكان ويمكن إنتاجه باستخدام مجموعة من مصادر الطاقة النظيفة، بما في ذلك الطاقة المتجددة مثل طاقة الرياح، والطاقة الشمسية، والطاقة المستمدة من إعادة تدوير النفايات. كما يتميز الهيدروجين بسهولة تخزينه لفترات طويلة، ونقله بأمان بين البلدان أو القارات، فضلاً عن توفير إمكانية إعادة التعبئة بشكل سريع ومريح وكفاءة استثنائية. فهذه هي المزايا التي يتفوق بها الهيدروجين كحامل للطاقة مقارنةً بالكهرباء.
وأضاف فوجيتا: “هناك اهتمام كبير في منطقة الشرق الأوسط بإمكانيات الهيدروجين كمصدر للطاقة النظيفة. نظراً لتوفر الإمكانات لدى دول المنطقة لتصبح منتجة ومصدرة رئيسية للهيدروجين النظيف من الوقود الأحفوري والطاقة المتجددة معاً، الأمر الذي سيخلق فرصاً واعدة لمستقبل تنقل المركبات الكهربائية التي تعتمد على خلايا وقود الهيدروجين”.
وتعتمد تقنية خلية الوقود التي طورتها شركة تويوتا في أوائل التسعينيات، على استمداد الطاقة الكهربائية من التفاعل بين عنصري الهيدروجين والأوكسجين لتشغيل الموتور الكهربائي، ليكون الماء هو المادة الوحيدة التي تخرج من العادم. وقد وصلت تقنية تويوتا هذه إلى درجة من التنوع حتى وجدت لها استخدامات لا تقتصر على المركبات، بل شملت أيضاً الشاحنات والحافلات والقوارب والمولدات الثابتة. كما تقوم الشركة حالياً بعدد من الدراسات والأبحاث لاستخدام هذه التقنية على القطارات، والمركبة الفضائية لاستكشاف القمر، والتي يطلق عليها اسم Lunar Cruiser في المشروع المشترك مع وكالة استكشاف الفضاء اليابانية (JAXA).
تبدو نتائج الأبحاث والتطوير لشركة تويوتا جلية في المركبة الرائدة تويوتا ميراي الكهربائية التي تعتمد على خلايا وقود الهيدروجين. وتستمد تويوتا ميراي طاقتها بالكامل من الهيدروجين فقط، وتوفر تجربة قيادة كهربائية بنسبة 100%. إن تويوتا ميراي ليست مجرد مركبة صديقة للبيئة ومن دون أية انبعاثات، ولكنها تتجاوز ذلك من خلال تنقية الهواء. فبفضل نظام تنقية الهواء الخاص الذي يلتقط أصغر الجزيئات PM2.5 ويزيل المواد الكيميائية الضارة، تسهم مركبة تويوتا ميراي في تنقية المزيد من الهواء أثناء قيادتها لمسافات أطول. كما تتمتع هذه المركبة بنطاق قيادة لا نظير له في فئتها يبلغ 650 كيلومتراً، ويمكن إعادة تزويدها بالهيدروجين في أقل من خمس دقائق، مما يضمن تمتع السائقين بنفس مستويات الأداء والراحة ومتعة القيادة المرتبطة بالمركبات التي تعمل بالطاقة التقليدية.
وتشارك مركبة تويوتا ميراي الرائدة في معرض إكسبو 2020 دبي بصفتها المركبة الرسمية لجناح اليابان في المعرض، كما تم عرضها مؤخراً في معرض القمة العالمية لطاقة المستقبل التي انعقدت في أبوظبي، والتي جمعت خبراء من الحكومات العالمية وخبراء الصناعة ليستشرفوا معاً طرقاً مبتكرة لإحداث التحول نحو الطاقة النظيفة.
وأكد فوجيتا: “عندما نفكر في تقديم المزيد، يجب علينا أن نفكر في ما هو مستدام وعملي في منطقتنا. فعلى سبيل المثال، علينا مراعاة درجات الحرارة المرتفعة وطبيعة الأرض وتضاريسها. لكل نظام دفع من أنظمة الدفع البديلة لدينا مميزات تناسب احتياجات التنقل المختلفة”.
بينما يبقى علينا ترقب ما إذا كانت البنية التحتية المطلوبة ستظهر لدعم التبنّي الواسع للمركبات الكهربائية التي تعتمد على خلايا وقود الهيدروجين في المنطقة، فإن شركة تويوتا واثقة بأن الهيدروجين سيلعب دوراً مهماً في تنويع مصادر الطاقة على الصعيد العالمي. وستعمل الشركة بشكل وثيق مع الحكومات وأصحاب المصالح المشتركة للترويج للهيدروجين كمصدر واعد للطاقة النظيفة.
واختتم فوجيتا: “لطالما كان بناء مستقبل أفضل من أولويات شركة تويوتا، ونحن ندرك بأنه لا يمكن إرضاء الجميع بتقديم حل أحادي على أنه الأمثل لظروف الاستخدام المختلفة في جميع أنحاء العالم. وعليه، فإن تطوير أكبر قدر من الخيارات للتنقل المستدام من شأنه أن يسهم في تسريع وتيرة الوصول إلى مجتمعٍ محايد للكربون يتيح للجميع الاستمتاع بحياةٍ سعيدةٍ وصحيةٍ ومستدامة. وسنواصل جهودنا في إيجاد سبل جديدة تمنح الجميع حرية التنقل دون استثناء”.
[1] تشير المركبات الكهربائية إلى المركبات الكهربائية الـ “هايبرِد” HEV، والمركبات الكهربائية الـ “هايبرِد” المزودة بشاحن خارجي PHEV، والمركبات الكهربائية التي تعمل بالبطارية BEV، والمركبات الكهربائية التي تعتمد على خلايا وقود الهيدروجين FCEV